ومن ذلك أبيات جميل المشهورة:
وإني لأرضي من بُثينة بالذي ... لو أبصره الواشي لقرت بلابله
بلا وبألا أستطيع وبالمني ... وبالأمل المرجو قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تقنضي ... أواخره ما نلتقي وأوائله
وهذا دون مذهب ابن مسعود من حيث حاق «التصوف»، ومعاني الشرف والعفة أغلب عليه من معاني القدسية والتجرد. وقريب منه قول يزيد بن الطثرية:
بنفسي من لو مر برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل أمر وهبته ... فلا هو يُعطيني ولا أنا سائله
والصبابة النجدية الحارة أنفاس الغزل أبين في هذا منها في أبيات جميل.
هذا، والتسامي بالشوق فوق رغبات الغزل مما يباعد صاحبه عن رمزية الحمام حتى في البكاء، لما يخالطها من ألوان الخصوبة الجنسية، وبهجة المرح اللاهي. وقد نظرت في الذي اختاره أبو تمام من نسيب في كتاب الحماسة فلم أجد فيه ذكر الحمام إلا قول النصيب:
كأن القلب ليلة قيل يُغدي ... بليلى العامرية أو يراح
قطاة عزها شرك فباتت ... تُجاذبه وقد علق الجناح
لها فرحان قد تُركا بوكر ... فعشهما تصفقه الرياح
إذا سمعا هُبوب الريح نصًا ... وقد أودى بها القدر المتاح
وهذا معنى هديلي صرف وعاطفة الحنين فيه من الضرب الساذج. ومثله قول ابن حزام:
كأن قطاة عُلقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان
وأبو تمام إنما كان يختار عن تعمد وبعد تدقيق وأكثر ما أورده مما يسمو أو يتسامى فوق الرغبات الجنسية.