للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نظرت في شعر كثير فوجدته قليل التعرض لشوق الحمام، وقد خلت منه تائيته:

خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت

ولاميته:

ألا ودعا ليلى أجد رحيلي ... وآذن أصحابي غدًا بقفول

وقد كان كُثير يصطنع صدق الصبابة ويعمد إلى التسامي بها ويستقصي ألوان المعاني المتصلة بالوجد وإخلاص الهوى، وما أرى إقلاله من ذكر الحمام إلا مُتعمدًا. ومما يوحي بتعمد كثير الإقلال من التشبيه بالحمام في معرض الشوق، أنه حين يذكره يفعل ذلك في معرض الوصف لا يكاد يعدوه، كقوله يذكر الدمن:

إذا ما علتها الشمس ظل حمامها ... على مُستقلات الغضى يتفجع

وهذا من غريب ما جاء في نعت غناء الحمائم. يزعم كُثير أنهن ينحن من ذكرى أشباههن من الحسان اللائي ظعن فهن مستقلات ركائبهن بين الغضى. وإنما دعا إلى ذكر الحمام ههنا ذكر الدمنة التي علتها الشمس وفيها الرماد، وبين الرماد والحمامة صلة واشجة كما سيرى القارئ فيما بعد إن شاء الله.

وقال كثير من كلمة أخرى:

إلى أُرك بالجزع من بطن بيشة ... عليهن صيفي الحمام النوائح

وههنا تعليل آخر لنوح الحمام- وذلك أنه يبكي على ذهاب الربيع وحلول الصيف، وقد كشف هذا المعنى حميد بن ثور في ميميته، وسنذكر منها إن شاء الله.

والقول برأي قاطع في هذا الباب مما يعسر، ولكن هذه حدوس تطرأ على بال الناقد، وعسى أن يكون ذكرها مما يعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>