وهذا كما ترى نفس صادق حر لا يصدر مثله إلا عن صادقة حرة.
وكلمة حميد بن ثور مما يكشف حقيقة اختلاط جانبي الغزل والحزن في نعت الحمام. وقد استهلها بما ينبئ عن هذا المعنى حين انتقل من نعت الظعينة إلى نعت الورقاء (ديوانه، دار الكتب، ٢٤ فما بعدها) وذلك حيث يقول:
وما هاج هذا الوجد إلا حمامة ... دعت ساق حر ترحة وترنما
وساق حر ههنا الصوت، والترحة تشعر باللوعة والترنم يشعر بالنشوة. ثم أخذ حميد يصف الحمامة، فذكر أنها حماء العلاطين، وأنها قامت على عسيب لدن فهو بها يهتز، ثم وصف طوقها الذي وهبه إياها الله زينة دائمة بدعوة سيدنا نوح فيما زعموا كما مر بك فقال:
تُطوق طوقًا لم يكن من تميمة ... ولا ضرب صواغ بكفيه درهمًا
وكأنه هنا يفضل طوق الحمامة الطبعي الذي صاغه الله، على أطواق الفتيات التي إنما يصوغها الصواغ. وقد حاول إلى عكس هذا المعنى أبو العلاء في أبيات سنذكرها إن شاء الله حيث قال:
ظلمن وبيت الله كم من قلائد ... تُوازرها سُور لهن وأحجال
ثم وصف عشها وانتقل منه إلى صفة الفرخ. وهنا حيث يرجع إلى الأصل الهديلي:
فلما اكتسى ريشًا سُخامًا ولم يجد ... له معها في باحة العش مجثمًا
أي لما اكتسى الفرخ ريشًا لينًا وأحس أنه كبر، وأن باحة العش قد جعلت تضيق به أن يجثم مع أمه، خرج فصادف الدواهي- وفي هذا من الكناية ما فيه، كما ترى:
أتيح له صقر مُسف فلم يدع ... لها ولدًا إلا رميمًا وأعظما