للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه القصة التي تقدمت في حديثنا عن الهديل، وجعلها حميد علة لبكاء الحمامة ومناحتها وغنائها:

فأوفت على غُصن ضُحيا فلم تدع ... لنائحة في شجوها مُتلومًا

والموازنة بين الحمامة والنائحة ههنا تدخل على الصورة عنصرًا من التخرق الذي لا يخلو أن تلمح فيه روحًا من تبرج الغزل.

مُطوقة خطباء تصدح كلما ... دنا الصيف وانجال الربيع فأنجما

وههنا ضرب من تفسير للرمزية التي تقدمت. إذ قد جعل حميد حمامته من شأنها أن تبكي على انجيال الربيع وانجامه، وإظلال الصيف بسمائه وحره وجهامه. وكأن الفرخ الذي افترسه الصقر، إنما هو رمز للربيع ورفهه وما يقع فيه من ألفة وحسن مرتع، والصقر كناية، عن الصيف وما يكون فيه من تلويح وتطويح. وكأن بكاء الحمامة على فرخها إنما هو بيان عما يكون في نفسها من بقايا نشوة الربيع، وما أحرزت فيه من لذات الهوى، وما يشوب ذلك من شوائب خوف الضيق وما سيؤول إليه حالها من طلب الورد، واقتحام المفاوز، والتعرض للخطر والموت:

إذا شئت غنتني بأجزاع بيشة ... أو النخل من تثليث أو من يبنبما

وهذه المواضع التي يذكرها الشاعر هي المواضع التي يحن إليها هو. ولك في تأويل البيت وجهان، إما أن تقول معناه إذا شئت ذهبت إلى هذه المواضع فغنتني فيها الحمامة، إذ هذه من مواضع يكثر فيها الحمام، أو تكون هذه من مواطن أحبابه فهو يرود إليها. وإما أن تقول معناه إذا شئت غنتني هذه الحمامة بذكرى أجزاع بيشة ونخل تثليث ونخل يبنبم، وكلا التأويلين يحملان معنى الحنين إلى هذه المواضع، كما ترى. والترنم الذي في بيشة وتثليث ويبنبم، ولا سيما يبنبم لا يخفى.

عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحًا ولم تفغر بمنطقها فما

<<  <  ج: ص:  >  >>