وقد دار حول هذا المعنى شعراء كثيرون على رأسهم من المحدثين أبو تمام حيث وصف المغنية الفارسية فقال:
ومسمعة يحار السمع فيها ... ولم تُصممه لا يُصمم صداها
مرت أوتارها فشفت وشاقت ... ولو يستطيع حاسدها فداها
فما خلت الخدود كسبن شوقًا ... لقلبي مثل ما كسبت يداها
وهذا معنى شريف.
ولم أفهم معانيها ولكن ... ورت كبدي فلم أجهل شجاها
وهنا حيث نظر إلى حميد:
فبت كأنني أعمى معنى ... يُحب الغانيات ولا يراها
وهذا بيت مشكل من حيث الذوق، وحذاق المعاني مما يستحسنونه. وفي النفس منه شيء ووددت لو خلت منه هذه القطعة الرائعة.
وقد تبع المتنبي سبيل أبي تمام هذه حيث قال، وجمع بين الحمام والقيان على وجه الموازنة:
منازل لم يزل منها خيال ... يُشيعني إلى النوبنذ جان
إذا غنى الحمام الورق فيها ... أجابته أغاني القيان
ومن بالشعب أحوج من حمام ... إذا غنى وناح إلى البيان
وقد يتقاربا الوصفان جدًا ... وموصوفاهما مُتباعدان
وهذا البيت كأنه رد على أبي تمام وعلى حميد بن ثور معًا، إذ أبو الطيب يثبت للحمامة صفة البيان، كما أثبتها لها حميد، ولكنه ينفي عنها العجمة، ولا يثبت لغناء الفارسيات، إلا أنه مجاوبة للورق، والمتنبي ههنا صادق إذ صوت الورق الذي شوقه