دون أصوات القيان، والعجب له كيف جسر على هذا وهو يمدح أميرًا فارسيًا. والآن نعود إلى ما كنا فيه من ميمية حميد، قال:
عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحًا ولم تفغفر بمنطقها فما
فلم أر محزونًا له مثل صوتها ... ولا عربيًا شاقه صوت أعجما
كمثلي إذا غنت ولكن صوتها ... له عولة لو يفهم العود أرزما
والعود بفتح العين وسكون الواو بعيره. وقوله فلم أر محزونًا، فيه رجعة وتوضيح لما كان استهل به من قوله:
وما هاج هذا الوجد إلا حمامة ... دعت «ساق حُر» ترحة وترنما
تم هو مع البيت الأخير كأنهما تلخيص لكل الذي قلنا به وقالته الشعراء من أمر امتزاج عنصري البهجة واللوعة والغزل في نوح الحمامة. والشاعر كما ترى يعجب من تخزقها بالشدور والغناء والطرب على ما كان من ثكلها المر وأساها. ثم هو يذكر كيف قد استجاب لها بالنشوة والطرب على جهله بحقيقة معاني ما تقول، أهي تأبين أم هي هزج منتش غزل، أم هي مزيج من كل ذلك، ومهما يك من شيء فإن لصوتها لوعة لا يكاد يبلغ مداها، وقد فهمها وأدرك تسرها، ولو قد فهمها بعيره لشارك الحمامة في نوحها بعولة مثلها وارزام.
ولا أرتاب أن أبا الطيب قد فطن لهذا المعنى الأخير من قول حميد في أبياته حيث قال:
إذا غنى الحمام الورق فيها ... أجابته أغاني القيان
فجعل القيان الفارسيات أذكى شيئًا من بعير حميد الذي لم يرزم. هذا وأرى أن إفصاح حميد عن حقيقة الطبيعة المزدوجة في نوح الحمام، هكذا إفصاحًا لم يكد يسبق إليه أو يُدرك، هو السبب في أن النقاد مما يقدمون أبياته هذه، ويختارونها أول ما يختارونه في