للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمضارع يكفيك من لينه أن أول من نظم فيه أبو العتاهية، على ما ذكره المعري في الفصول والغايات، وقد كان أبو العتاهية مخنثًا أو أمره.

والمنسرح القصير ربما ينبو عنه ذوق الحضر الآن، وربما كان المتحضرون ببغداد لا يميلون إليه. ولكن هذا لا يقدح في زعمنا أنه ذو "لون جنسي"، فالبدو كالحضر يحسون بالشهوة و"الكبت". وقد كان هذا الوزن من أنغام الرقص الشهواني عندهم. أليس أصحاب السِّير يروون لنا أن هندًا وصويحباتها كن ينقرن بالدفوف متبرجات، ويمشين بين الصفوف يوم أحد ويتغنين:

وبها بني عبد الدار ... وبها حماة الأدبار

ضربًا بكل بتار

إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق (١)

هذا، وأهل مكة لم يكونوا بدوًا. ولكن أذواقهم بالنسبة إلى من جاء بعدهم من متحضرة بغداد ومتحضرة العصر الحاضر، أقرب إلى البداوة منها إلى الحضارة، ولا تقل لي: إن المثل الذي استشهدت به واحد، لا تقوم به حجة، أو تعارضني بأن هذا الكلام قد قيل في ساحة الحرب، وليس في ذلك ما يدل على الشهوانية، فإني قد قدمت لك ومهدت، بأن هذا النوع من الأنغام كان (ولا يزال كما سأبين بعد) شهوانيا بالنسبة إلى البدو والعرب الأولين. والغرام والشهوة والحرب كانت مرتبطة معًا في حياتهم، وثيقة الصلة فيما بينها. ويصدق ذلك ما نجده في أراجيز أبطالهم، وهم بإزاء الصوارم والقنا، وبمرأى ومسمع من الموت، بأمثال قول الكناني (٢):


(١) هذه الأشطار القافية تنسب أيضًا إلى هند الإيادية تحرض قومها على الفرس (مقدمة معجم ما استعجم) فهذا يقوي حجتنا.
(٢) قاله في غزوة خالد لبني لعقة الدم من كنانة، وكانت بعد الفتح (السيرة ٤ - ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>