في خطابها فرخم اسمها ولم يخل معها من فكاهة ومزاح، وختم ذلك كله بالسقيا لها وللبشام الذي تصدح عليه وللديار التي ذكرها قريب من نفسه وعهدها حبيب إلى فؤاده.
وقال من كلمة أخرى:
بعيني من جار على غُربة النوى ... أراد لسلمانين بينًا فودعا
لعلك في شك من البين بعدما ... رأيت الحمام الورق في الدار وُقعا
كأن غمامًا في الخدور التي غدت ... لنا ثم هزته الصبا فترفعا
والبيت الثاني محل للنظر والتأمل. إذ الحمام رمز للرجاء، كما هو رمز للشجو والأسى. وظاهر عبارة الشاعر ههنا قد يفهم منه أنه جعل من الحمام علمًا للبين كالغراب. وقوله «لعلك في شك من البين» معناه الحقيقي «لا تشك يا هذا في البين». والحق أن أطراف العواطف عند الشعراء كثيرًا ما تصير الضد إلى ضده، وقد سبقت منا الإشارة إلى هذا- كتصيير الحمامة ههنا شيئًا من قري الغراب. وكتصييرها في قول صخر الغي:
وما إن صوت نائحة بليل ... بسبلل لا تنام مع الهجود
شيئًا بين المرأة الثكلى والبوم أخي السهر والبين والتشاؤم. وكالذي صاره الصقر وهو المفترس رمزًا للرجل وهو المحب. وكتشبيه الفرس بالصقر والمذهب تشبيهها بالحمامة وقد مر بك قول الحرث اليشكري:
فكأنهن لآلئ وكأنها ... صقر يلوذ حمامه بالعرفج
وأصله من قول امرئ القيس:
كأني بفتخاء الجناحين لقوة ... صيود من العقبان طأطأت شملالي
تخطف خزان الأميعز بالضحا ... وقد جُحرت منها ثعالب أورال