وإنما شبهت الفرس بالحمامة في النجاء فحين صارت إلى الصيد والافتراس كان ذكر الصقر أشبه.
وأبين من قول جرير في نسبة الغرابية إلى الحمامة قول جحدر، على أن جحدرا لم يغفل فيه من نسبة الحمامة إلى الوجد والطرب وحسن الشدو:
ومما هاجني فازددت شوقًا ... بُكاء حمامتين تجاوبان
وهذا، كما ترى، أصدق في معنى البهجة والغزل من جعلها حمامة واحدة، على أن القماري من الحمام خاصة، وهن أشجاهن، بل أحسبهن هن المعنيات، من أكثر ما يغنين فرادى:
تجاوبتا بلحن أعجمي ... على غُصنين من غرب وبان
فكان البان أن بانت سُليمى ... وفي الغرب اغتراب غير دان
وههنا محل استشهادنا. وفي البيت قبله نظر إلى حميد بن ثور:
أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا فذاك لنا تدان
نعم وترى الهلال كما أراه ... ويعلوها النهار كما علاني
فما بين التفرق غير سبع ... بقين من المُحرم أو ثمان
فيا أخوي من كعب بن عمرو ... أقلا اللوم إن لم تنفعاني
إذا جاوزتما سعفات حجر ... وأودية اليمامة فانعياني
وكان جحدر حين قال هذا، في سجن الحجاج فيما ذكروا، وكان يترقب أن يُفتك به.
هذا، وقد افتن المولدون بعد الشعراء الإسلاميين، أيما افتنان في التغني بالحمام في باب النسيب وما يجري مجراه. على أن أكثر ما قالوه لا يخلو من نظر، إما إلى جرير، وإما إلى حميد بن ثور. ومما رواه الجاحظ- وله باب مستفيض في الحمام في