كتابه الحيوان لجهم بن خليفة يقلد مذهب حميد بن ثور: قوله:
وقد شاقني صوت قمرية ... طروب العشي هتوف الضحا
من الورق نواحة باكرت ... عسيب أشاء بذات الغضى
تغنت عليه بلحن لها ... يُهيج للصب ما قد مضى
مُطوقة كُسيت زينة ... بدعوة نوح لها إذ دعا
فلم أر باكية مثلها ... تبكي ودمعتها لا ترى
أضلت فُريخًا فطافت له ... وقد علقته حبال الردى
فلما بدا اليأس منه بكت ... عليه وماذا يرد البُكا
وقد صاده ضرم ملحم ... خفوق الجناح حثيث النجا
وهنا كما ترى إلمام بأطراف ما حول الحمامة من أساطير وأحسب أن الجاحظ إنما اختار هذه الأبيات من أجل هذا، وهي سلسة رشيقة، ولكن لضوء الشمع وكد الذهن عليها أثرًا لا يخفى، فذلك يهبط بها شيئًا عن ذروة مرقاة الإجادة، والله أعلم.
ويعجبني قول أبي تمام، وفيه نظرة الناقد، ودقة المفكر، وهو على كونه صاحب صناعة ممن تشفع له ملكته النادرة؟ قال:
أتحدرت عبرات عينك أن دعت ... ورقاء حين تضعضع الإظلام
لا تشجين لها فإن بكاءها ... ضحك وإن بكاءك استغرام
هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حِمام
وكأن هذه الأبيات الثلاثة اختصار بليغ لجميع ما كنا نحن فيه.
وأحسب أن المعري قد نظر إلى مذهب أبي تمام في البيت الثاني مما تقدم، في لاميته «مغاني اللوى» حيث قال: