وهذا بيت شامل. وأحسبه عني بذي النسك أمثال جرير وبالمجرم جحدرًا إذ قد كان لصا. وعسى أن يكون لم يخل من إشارة إلى الوليد بن يزيد وعبثه حيث يقول:
خبروني أن سلمى ... خرجت يوم المصلى
فإذا طير مليح ... فوق غصن يتفلى
على أن طير الوليد ههنا قد يكون شيئًا غير الحمام، مما تقتنيه الملوك في بساتينها من نوادر ذوات الريش. والله أعلم أي ذلك كان. ونعود إلى ميمية المعري:
لك النصح مني لا أُغاديك خائنًا ... بمكر ولكني أُغاديك مكرمًا
وموضع الجناس الناقص في المكر والمكرم لا يخفى؟ ويشير المعري هنا إلى ما كان يراه من تحريم اللحم وإفساد الصورة. ثم يأخذ بعد في ذم ما يفعله الناس من صيد الحمام، في أسلوب ساخر، يلمح فيه من مكان خفي إلى قصة الرمز فيما بين الصقر والحمامة، ثم يذكر المشهور من نعت الناس لأطواق الحمائم بالحسن كما رأيت في ميمية حميد وفي لاميته هو وفي كثير غير ذلك، وهم مع هذا لا يستنكفون عن أن ينصبوا الأشراك لتفسد مواضع هذه الأطواق وتشوهها بقبح الموت والدم.
إذا ما حذرت الصقر يومًا فحاذري ... أخا لإنس أيامًا وإن كان محرمًا
وهنا موضع الإشارة إلى ما ذكرناه من رمزية الحمام والصقر، وإن تذكرت أن الحمامة كناية عن المرأة والصقر كناية عن الرجل، فهذا البيت جار على المعروف من مذهب المعري في كراهية الحج للنساء- قال:
أتت خنساء مكة كالثريا ... وخلت في المواطن فرقديها
ولو صلت بمنزلها وصامت ... لألفت ما تُحاوله لديها
ولكن جاءت الجمرات ترمي ... وأبصار الغُواة إلى يديها