يصوغ لك الغاوي قلادة هالك ... من الدم تُخبي وجدك المُتضرما
وهذا معنى حسن جدًا فيه مع السخرية استشعار عميق للأسى وحسرة حري على مصير جذوة الفن المشتعلة في صدر الحمامة حين يتاح لها صائد الأنس فيخمدها بصنيعه البشع. وإلى قريب من هذا المعنى ذهب الأستاذ عباس محمود العقاد حيث يقول:
أين الحمائم تشدو في خمائلها ... من الحمائم يشويهن مبطان
وهنا كما ترى أيما ازدراء للتناقض الآدمي بين طرفي الطرب والنهم والفن والفدامة، وصورة محزنة لبهجة الطبيعة الثملة حين يرى الإنسان وهو يسعى إليها بشرك ليزيلها أن الإنسان لكفور مبين. ثم يقول المعري في تفصيل أصناف ما يقترفه الناس من جرم:
وكم سحتت كفاه مثلك في ضُحا ... شبيبتها، إذ لم تر الدهر مُهرما
وراع بفهر من جناحك آمنًا ... فظل على الرئيس النهوض مُحرمًا
وهنا إلمام بمعنى الراعي في قوله:«كهداهد كسر الرماة جناحه».
وقد يبرم الحين القضاء بناشئ ... يُراوح خيطًا شده بك مُبرمًا
كما قيد السلطان حلف جناية ... ليقتص منه أو ليغرم مغرمًا
وهذه صورة دقيقة للأطفال حين يعبثون بتعذيب صغار الحيوان، يتوهمون وهم يفعلون ذلك أنهم سلطان أو جند سلطان، ويجدون لما يفعلونه لذة القسوة، ونشوة السطوة والقدرة. ولو قد قدروا على تعذيب بعضهم بعضًا على نحو من هذا النحو لفعلوا. ولا يخلو المعري ههنا من لوم للسلطان وعطف على الجاني الذي يقتص منه- كأن السلطان يضرب، بما يصنع، قدوة من العنف يقتدى بها من دونه حتى الأطفال.