أو كأنه يلوم السلطان على ما عسى أن يحسه من لذة الصولة -كما يحس الطفل تلك اللذة- حينما يعمد هو إلى إيقاع عقوبة من هذه العقوبات الشديدة التي تقتضيها ضرورة العدل. فكيف تكون لعمري منزلته من الإثم إذا أوقع بغير ذي جناية فأحس لما يفعله من ظلم لذة الصولة ونشوة الملك. وهذان البيتان فيما أرى دقيقان في كلا فني التربية وعلم النفس فليتأملا.
فزوري وبار القفر من كل وابر ... وإلا فرومي خلف ذلك مخرمًا
أكوني في القفر مع الوبار خشية من كل وابر أي كل إنسان:
بحيث تُوافين الصحابي مُعوزًا ... من الناس والماء السحابي خضرما
وهذا هو المستحيل
وحُلي بقاف إن أطقت بُلوغه ... فأفني لديه عُمرك المُتصرما
ولا أستبعد أن يكون المعري كني بالعكرمة عن نفسه في هذه الأبيات:
هذا والمشهورات في الحمائم وما إليها من أشعار المحدثين قبل المعري وبعده أكثر من أن نستشهد بها في هذا الموضع، وفيها ما قدمناه من محاكاة حميد وجرير أو مجاراتهما. ومن ذلك كلمة أبي فراس:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتي هل تشعرين بحالي
وهي تنظر إلى كلمة عوف بن محلم التي يقول فيها:
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
ومن هذا المجرى ايكية الطغرائي ونائج الطلح الذي في نونية شوقي
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
وقد جعل شوقي رحمه الله حمامته النائحة هي نفسها التي وقع عليها الافتراس أما من الصقر وأما من كيد الرماة، وهذا أشبه، وذلك حيث يقول:
ماذا تقص علينا غير أن يدًا ... قصت جناحك جالت في حواشينا