للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النؤى وهو حاجز الدار من الماء، ونظر الشماخ في نعته هذا إلى النابغة حيث يقول:

والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد

والمظلومة هي الأرض الصلبة التي يحفر فيها وليست بموضع حفر. والكدى جمع كدية بضم الكاف وهي ما غلظ من الأرض. وقوله جارتا صفا أي جارتا جبل، أراد به الأثفيتين اللتين أقامتا في الدمنتين بعد أن فارقتهما ليلى والرباب، والصفا ثالثتهما كما مر بك. وقد جعل أعالي الأثفيتين ذواتي لون كميت، لأن القدر فوقهما تقيهما الدخان وإحراق النار، فلا يصيبهما غير تسفيع، فالكمته دليل على السلامة من النار شيئًا ما. وقد جعل أسافلهما جونا أي سودا، لشدة ملازمتها النار واصطلائهما بها.

فإن صح ما افترضنا جوازه فيما مضى، من أن الأثفية قد يكون فيها شبه الحمامة، وشبه المرأة وشبه الفم، فهذا الذي قاله الشماخ غير بعيد جدًا من قول النابغة في ثغر المتجردة:

كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعاليه وأسفله ندي

والشاهد ههنا جفاف أعالي الأقحوان وندى أسافله. فأجعل الكمتة في أعالي الأثافي بمنزلة هذا الجفاف، والسواد في أسافلها بمنزلة هذا الري. ولا إخال وجه الشبه، على بعده، يخفى عليك من بعد. ولعلك قائل فأين الماء من النار وأين الندى من سواد اللفح الذي ينشأ من ملازمة النار. والجواب عن هذا أن الشيء مما يشبه بضده، ولا سيما من حيث قوة تأثيرهما على ما يؤثران فيه. هذا وطرفة بن العبد يقول في نعت الثغر:

وتبسم عن المي كأن مُنورًا ... تخلل حُر الرمل دعص له ندي

سقته إياه الشمس إلا لثاته ... أسف ولم تكدم عليه بإثمد

وإياه الشمس شعاعها. فجعل كما ترى ما على الثغر من بريق ولألاء كأنما

<<  <  ج: ص:  >  >>