ولما جعل الشعراء من الرماد رمزًا للصبابة، وقل رسمًا ومعلمًا من معالم الصبابة وآثارها- تأمل قول الشماخ:
وإرث رماد كالحمامة ماثل
وربعًا من مرابع الحب وماضي العلائق وما هو من هذا القبيل، تأتوا فجعلوا من الأثافي، وهن معالم الدار، والدار من آثار الصبابة كما رأيت، نياقًا رائمات على هذا الرماد الرمزي، عاطفات عليه، ظائرات له. قال عدي بن الرقاع يصفهن:
إلا رواكد كلهن قد اصطلى ... حمراء أشعل أهلها إيقادها
كانت رواحل للقدور فعريت ... منهن واستلب الزمان رمادها
وهذا موضع الشاهد لقولنا أن الأثافي بمنزلة المطايا من القدر. وقوله «واستلب الزمان رمادها» فيه إشارة إلى معنى الرأم والظأر، لأن العرب مما تسمى الناقة الفاقد سليبًا. وقد رأيت وصف متمم للسلب من الإبل في الأبيات الماضية، ولعلك أبهت إلى ما في ذكر الأظآر الثلاث من شبه الأثافي الثلاث. وقد أوغل عدي بن الرقاع كما رأيت في تصوير معنى الحسرة وطول البين، إذ زعم أن الزمان قد استلب حتى هذا الرماد، فلم يبق من معالم الصبابة إلا الأثافي سُلبًا من غير ما حوار يرأمنه ويتعطفن عليه.
وفي معنى الظأر الذي تظأره الأثافي، باكتنافها الرماد، واحتباسها له من أن تذروه الرياح، يقول المخبل السعدي في ميميته المفضلية:
وأرى لها دارًا بأغدرة السـ ... ـيدان لم يدرس لها رسسم
إلا رمادًا هامدًا دفعت ... عنه الرياح خوالد سُحم
وهن الأثافي. وللشريف المرتضى في أماليه مجلس صالح نفيس عقده للأثافي