والنؤى وما بمجراها من آثار الديار فنحيل القارئ الكريم إليه (١). وقد نقتبس منه ههنا لتوضيح ما عسى أن يحتاج إلى توضيح مما نحن بصدده من المعاني، إذ لم نجد لغيره فيما اطلعنا عليه شيئًا مثله مجموعا في موضع واحد.
فمن ذلك ما قاله الكميت بن زيد في معنى الظأر والعطف بمعرض الحديث عن الأثافي:
ولن تجيبك أظار مُعطفة ... بالقاع لا تمك فيها ولا ميل
ليست بُعوذ ولم تعطف على ربع ... ولا يُهيب بها ذو النية الأبل
والعوذ الحديثة النتاج من الإبل. والربع ما نتج منها في الربيع. وذو النية من ينوي النجعة وطلب المرعى. والإبل الذي يحسن القيام على الإبل بوزن فرح بكسر الباء بعد همزة مفتوحة. وقد صرح الكميت ههنا بتشبيه الأثافي بالنوق الظؤار. ولذي الرمة في قريب من هذا المعنى:
فلم يبق إلا أن ترى في محله ... رمادًا نفت عنه الحئول جنادله
كأن الحمام الورق في الدار وقعت ... على خرق بين الظؤار جوازله
وقد ذكر ذو الرمة ههنا الجنادل والحمائم والظؤار جميعًا، والحق أن الكميت وذا الرمة كليهما ممن يكون شعرهما بمنزلة الشرح والتفصيل لكثير مما يقع مجملاً، غامضًا أو كالغامض، في تضاعيف الشعر القديم. وليس ههنا موضع تفصيل الحديث عنهما غير أني أنبه القارئ الكريم إلى إتباع الكميت طريق اللغز في قوله:
ليست بعوذ ولم تعطف على ربع
كما انبهه إلى موضع «خرق» من كلام ذي الرمة، بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء بوزن فعل الذي للوصف، فقد شبه ذو الرمة الرماد كما ترى بالحمام. ثم عاد
(١) أمالي الشريف المرتضى، مصر الطبعة الأولى ١٩٠٧ - ٣ - ١٦ - ١٢٤ على أنه رحمه الله نظر في حيوان الجاحظ ومنه أفاد.