فشبهه تشبيهًا آخر بالخرق وهو الجؤذر الذي يغترق عينيه النعاس خرقًا منه وثملا بري الحياة. وقد ذكرنا لك آنفًا قول المرار:
والضحا تغلبها رقدتها ... خرق الجؤذر في اليوم الخدر
الظبي والجؤذر من كنايات الحسان كما تعلم.
ثم إن ذا الرمة عاد مرة أخرى فركب التشبيه أيما تركيب وذلك بذكره الجوازل في آخر البيت. ويكون إجمال المعنى على هذا:«كأن الحمام الورق وقعت على هذا الرماد. وكأن هذا الرماد جؤذر خرق. وكأن له جوازل أي فراخًا- والجوازل أفراخ الحمام، قال الآخر:
أريد أن أصطاد ضبًا سحبلا
أو ورلا يرتاد رملاً أرملا
قالت سُليمي لا أُحب الجوز لا
ولا أُحب السمكات مأكلاً
وهذه الجوازل التي هي جؤذر الرماد أو هي لجؤذر الرماد، تحنو عليها أظآر عاطفات رائمات من جنادل الأثافي.
وقد جاء لفظ الحواضن، وهي في معنى الظؤار أو الآظار، جمع ظئر، في كلمة الراعي:
وأورق من عهد ابن عفان، حوله ... حواضن ألاف على غير مشرب
وراد الأعالي أقبلت بنحورها ... على راشح ذي شامة مُتقوب
كأن بقايا لونه في مُتونها ... بقايا هناء في قلائص مجرب
وقد اختلطت أوصاف النساء بأوصاف الحمام والإبل في كلمة الراعي هذه وقوله «وأوراق من عهد ابن عفان» نعت للرماد كما ترى، ولكن فيه كناية عميقة عن