الصبابة الغابرة، وعسى الشاعر أن يكون أراد الكناية عن نفسه، التي صارت رمادًا أورق بعد عهد البين البعيد القصي، البين الذي كان من زمان ابن عفان- وأنت تعلم ما كان بعد مقتل عثمان رضي الله عنه من تقويض الديار، ولحاق كل قوم بطائفة من طوائف القتال. وقد كان الراعي عثمانيًا زبيريًا فيما ذكر الرواة، وهو القائل في لاميته المجمهرة:
قتلوا ابن عفان الخليفة مُحرمًا ... ودعا فلم أر مثله مخذولاً
هذا، ونعته للأثافي بأنهن وراد، وهذا كقول الشماخ «كميتا الأعالي» فيه كالنظر الشديد إلى ما جاء من نعت الظعائن في معلقة زهير:
علون بأنماط عتاق وكلة ... وراد حواشيها مُشاكهة الدم
وقوله بنحورها فيه أشعار بنحو النساء أو نحور الإبل، وقد صرح بذكر الإبل وهي القلائص في بيته التالي، وشبه بقايا الدخان والرماد وأثرهما فيها، بالهناء الذي يوضع على الجرب من القلائص. ولعل في هذا نظرًا ما إلى قول امرئ القيس من اللامية:
أيقتلني أني شغفت فُؤادها ... كما شغف المهنوءة الرجل الطالي
وإن صح ما نزعم من أن الشاعر كنى بالرماد عن نفسه، فالراجح أن يكون في ذكره للأثافي نوع من الرمز إلى ما يرجوه من تعطف حبائبه النائيات عليه، أو ما هو بمجرى حبائبه من مواطن الأشواق، كأزمان الشباب مثلاً، وضوائع الآمال، إذ الأثافي كما قال حواضن وقال الراعي أيضًا يذكر الرماد: