للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس ارتباط الغزل بالحرب عند العرب الأولين (قبل أن تعصف بهم الفتن والأهواء والعصبيات) بأمر يدعو إلى الاستغراب .. فقد كان الظفر في الحروب معناه سبي العقائل والكواعب (١). وفي أخبار الأيام والحروب الجاهلية ما يدل على أن أي ظفر (وإن كان قصير الأمد، وإن تبعته هزيمة منكرة) كان يتيح أحيانًا للظافر أن يسبي ويستمتع بمن يسبيه. من ذلك ما كان بين عامر بن الطفيل وأسماء بنت قدامة بن سكين الفزارية يوم الرقم (المفضليات ٣٠ وراجع ٧١٢) وكان لغطفان على عامر رهط ابن الطفيل، وانتحر فيه جماعة منهم من مرارة الهزيمة بعد بوادر الظفر. ونحو من ذلك ما ذكره الواقدي في خبر أحد، من أن بعض المسلمين ندموا بعد الهزيمة على إفلات ما كان وقع بأيديهم من السبي والغنائم (٢).

وإذ قد كانت حياة أولئك القوم على هذه الحالة من العنف، أفتعجب أن وجدناهم يستعملون أكثر أنغامهم شهوانية، وأوضحها اصطباغًا باللون الجنسي في ميادين القتال، وفي التحريض على الغارة والثأر؟

وأرجع القارئ -هنا- شيئًا إلى علم العروض.

العروضيون يعتبرون أمثال "ويهًا بني عبد الدار" من المنسرح، وحجتهم في ذلك أنك تحصل عليه بحذف آخر تفعيلة من شطر المنسرح. [المنسرح: "مستفعلن مفعولات مستفعلن ×٢، وهذا مستفعلن مفعولات ×٢"] وهذه حجة واهية فيما أرى. وهذا الوزن عندي ضرب من الوجز مختصر من طراز أطول منه قليلًا، يسميه


(١) أغرب السير وليم ميور في تاريخ الخلافة الإسلامية، فزعم أن حب النساء كان من أقوى الأسباب التي نصرت العرب على الروم -راجع خبر اليرموك في كتابه. ولعل عكرمة كنى برجزه عن الشهادة وكان رحمه الله ممن كتبت له.
(٢) ذزر الواقدي هذا الخبر مفصلًا يرويه عن سعد بن معاذ، وذكره ابن أبي الحديد في حديثه عن أححد، وعلق عليه تعليقًا كثيرًا ينضح بالتشيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>