فهذا نص في تشبيه الأنفية بالمرأة تصريحًا من غير حاجة إلى تلميح يتأول.
وقال كثير عزة:
أمن آل قيلة بالدخول رسوم ... وبحومل طلل يلوح قديم
وليس كثير ممن يقول الدخول وحومل من دون تعمد إلى أن يذكرك ببيت امرئ القيس المشهور، فقد كان رحمه الله صناعًا بعيد الغارات على أقوال من سبقوه، كثير التوليد منها:
لعب الرياح برسمه فأجده ... جُون عواكف في الرماد جُثوم
سُفع الخدود كأنهن وقد مضت ... حجج عوائد بينهن سقيم
والجون والجثوم كلاهما من نعت القطا والقطا من الحمام. وقد جعل الأثافي سفع الخدود وهذا تأنيث لهن كما ترى. ثم احتال على معنى الطؤار فجعلهن كالعوائد والرماد بينهن كالسقيم. ولا يخلو قوله «عوائد بينهن سقيم» من التنبيه على هذه الحالة من حالات النساء بغض النظر عما تضمنه من التشبيه التقليدي. ولا يخلو من كناية للشاعر عن نفسه بالسقيم وعن من يحب بالعوائد، أو هن الأثافي وهو الرماد ولا أستبعد أن يكون كثير قد نظر في قوله هذا إلى النابغة حيث يقول:
نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وُجوه العود
وليس انعكاس المعنى عند كثير بكبير شيء، فالمدلول في الحالتين متقارب وذكر العوائد والسقيم في معرض الغزل كثير. والمراد منه كله التعبير عن ضنى الشوق في قلب المحب وفي جمال المحبوب. هذا ومراد كثير من قوله «فأجده» أن الأثافي يعتقن مجرى الريح فإذا تراكم على الرسم غبار من جنوب أو نكباء أزاله هبوب شمال أو نكباء أخرى فبدت معالم الرسم بما تحتويه من نؤى وأحجار وشريد رماد لائذ بهن. وقد أبرز هذا المعنى ذو الرمة حيث يقول:
من دمنة كشفت عنها الصبا سُفعًا ... كما تُنشر بعد الطية الكتب