هذا والسفعة مما يكثر ذكره في صفة الأثافي كما رأيت. ومما تنعت به خدود الكآبة والحزن أيضًا، كالذي مر بك وكما في قول متمم:
فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ... ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا
ثم هي أيضًا مما توصف به خدود الظباء والبقر الوحشية، قال زهير:
كخنساء سفعاء الملاطم حرة ... مسافرة مزءودة أم فرقد
والمزؤدة الخائفة، والفرقد ولد البقرة
والسفعة أيضًا من أوصاف الصقور- قال زهير في القطاة:
أهوى لها أسفع الخدين مُطرق ... ريش القوادم لم يُنصب له الشبك
فكل هذه المعاني مما يطيف بالأثافي ويُلون معناهن ومدلول رمزيتهن بحسب السياق الذي يؤتي بهن فيه.
وقال جرير (ديوانه ٥٠٧):
وقفت على الديار وما ذكرنا ... كدار بين تلعة والنظيم
عرفت المنتأى وعرفت منها ... مطايا القدر كالحدا الجثوم
ومطايا القدر الأثافي كما تقدم. وشاهدنا هنا تشبيههن بالحدأ الجثوم والحدأ جمع حدأة وهي من الجوارح اللاتي يصدن الحمام. فتأمل. وأحسب أن ما دعا هذا التشبيه هو أن جريرًا مازج وقفته على الطلل بغضبة على صاحبته وذلك حيث قال في البيت السابق لما استشهدنا به:
أهذا الود غرك أن تخافي ... تشمس ذي مُباعدة عزوم
وذو المباعدة العزوم أراد الشاعر به نفسه، فلا يخلو ذكر الحدأ الجثوم من إلماع إلى هذا المعنى والله أعلم.