وهذا مأخوذ كما ترى من معنى القصر وسرعة الذهاب في ليالي الأنس وأيام الدعة. قال عمر كما تعلم:
فيا لك من ليل تقاصر طوله ... وما كان ليلي قبل ذلك يقصر
وقال سحيم:
تأوبني ذات العشاء هُموم ... عوامد منها طارف وقديم
وما ليلة تأتي علي طويلة ... بأقصر من حول طباه نعيم
فمن ههنا ترى أن صاحب «يا ليل طل» وإن أصاب سطحي البديع، قد أساء من حيث حاق المعنى، إذ طول الليل معناه الهم، فكأنه -أعانه الله- تمنى طول الليل والسهر وألا يطلع الصبح وذلك هو الشقاء، إذ كل وقت مع السعادة لا يقال له طويل وإن كان مقياس مداه غير قليل.
وقد ذم الليل بالفزع والهم والوحشة وما يجري هذا المجرى. من ذلك ما قدمناه لك من أبيات ذي الرمة.
وأكثر ما يقع الهم والفزع والوحشة في باب الخروج، فيقرون الهم ظهور الإبل، وينسبون الفزع والوحشة إلى ليل السرى. وأكثر ما يجئ هذا في نعت البقرة الوحشية والثور الوحشي. قال لبيد:
باتت وأسبل واكف من ديمة ... يُروي الخمائل دائمًا تسجامها
يعلو طريقة متنها متواتر ... في ليلة كفر النجوم غمامها
وقال ذو الرمة:
ضم الظلام على الوحشي شملته ... ورائح من نشاص الدلو مُنسكب