أحاديث نفس تشتكي ما يريبها ... وورد هموم لن يجدن مصادرًا
تكلفني أن يفعل الدهر همها ... وهل وجدت قبلي على الدهر قادرًا
وكل هذا مما استهل به النابغة عند أول مبدأ القصيدة كما ترى. وأحسب أن استشعار النابغة لمثل هذا الضرب من الهموم هو الذي ألهمه تشبيهه الرائع:
فإنك كالليل الذي هو مُدركي ... وإن خلت أن المُنتأى عنك واسع
ومما استهل فيه الشعراء بليل الهم وذكروا النجوم كلمة المهلهل حيث يقول:
أليلتنا بذي حُسم أنيري ... إذا أنت انقضيت فلا تحوري
فإن يك بالذنائب طال ليلي ... فقد أبكي من الليل القصير
ثم أخذ في نعت النجوم فقال:
كأن كواكب الجوزاء عُوذ ... مُعطفة على رُبع كسير
وهذا التشبيه فيه نفس من الهديلية كما ترى:
كأن الجدي في مثناة ربق ... أسير أو بمنزلة الأسير
كأن النجم إذ ولى سُحيرًا ... فصال جُلن في يوم مطير
والنجم الثريا وبذلك فسر قوله تعالى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} في بعض ما ذكره الطبري وغيره من أقوال المفسرين:
كواكبها زواحف لاغبات ... كأن سماءها بيدي مُدير
وكأن هذا النعت مراد به الإشعار بطول الليل وأرق الشاعر ومراعاته لصور الكواكب التي لا تكاد تتحرك ولا يكاد يفني جُهد ما هي فيه من دأب.
وقد وصف النابغة كواكبه بالسوام التي ضل راعيها ولن يؤوب فهي حائرة