البارودي رحمه الله، يذكر ابنته سميرة، بعد أن صار إلى المنفى:
تأوب طيف من سميرة زائر ... وما الطيف إلا ما تريه الخواطر
تمثلها الذكرى لعيني كأنني ... إليها على بُعد من الأرض ناظمر
فيا بُعد ما بيني وبين أحبتي ... ويا قُرب ما التفت عليه الضمائر
وشرف هذا الشعر وفحولته كما ترى.
هذا ومما نستكمل به في هذا الباب الخمر، وهي بحر واسع ولا يجزئ فيها إلا بحث مفرد لها. والعرب تذكرها في باب الغزل واللهو والفخر والمرح، ولا تكاد تخلو من معنى الحنين لما يخالطها من معنى الذكرى. ونحن ههنا موجزون وحسبنا ما كان من أمرها لاحقًا بمعاني الشجن الغامض والحزن الخفي المدخل، فهذا من حاق سنخ الحنين والنسيب. فمن ذلك قول حسان:
لله در عصابة نادمتهم ... يومًا بجلق في الزمان الأول
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى تُصفق بالرحيق السلسل
وقول لقيط بن زرارة ورواه المبرد في الكامل:
شربت الخمر حتى خلت أني ... أبو قابوس أو عبد المدان
أمشي في بني عُدس بن زيد ... خلي البال مُنطلق العنان
ولود قارئ أن يعلم ما لابس هذا القول من ظروف الحياة.
وقال النعمان بن عدي:
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بفارس يُسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... ورقاصة تجذو على حد منسم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم