وموضع الأسى وخشية عمر واستشعار الحرمان كل ذلك يحس في هذه الأبيات وقد كان النعمان من أبناء الصحابة ومن قرابات عمر، فذلك كان أدعى للمخشاة.
وقال زهير:
وقد أغدو على ثبة كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء
لهم راح وراووق ومسك ... تُعل به جلودهم وماء
يجرون البرود وقد تمشت ... حميا الكأس فيهم والغناء
وأرى أن هذه الأبيات فيها إيحاء واجس بالموت لعل منشأة من قوله «تعل به جلودهم». وقد كان الإيحاء من ضريبة بيانه لا تكاد تخلو منه جياده بحال ومدخله إليه خفي أيما خفاء. ونظر إليه حسان حيث قال في تشبيه الثغر ثم انصرف إلى مدح الخمر:
كأن سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء
على أنيابها أو طعم غض ... من التفاح هصره اجتناء
على فيها إذا ما الليل قلت ... كواكبه ومال بها الغطاء
إذا ما الأشربات ذكرن يومًا ... فهن لطيب الراح الفداء
نوليها الملامة أن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكًا ... وأشدًا ما يُنهنهها اللقاء
وقد فطن أبو العلاء لما في هذه الأبيات من حنين وحرمان، فسأل حسان في رسالته على لسان ندامى الفردوس «ويحك أما استحييت أن تذكر هذا في مدحتك رسول الله» فيقول: «إنه كان أسجح خلقًا مما تظنون» ثم يعتذر بما نراه جاء به المعري على أسلوب التقية.
وقال عبد الرحمن بن الحكم (رواه المبرد في الكامل):
وكأس ترى بين الإناء وبينها ... قذى العين قد نازعت أم أبان