وذكر الخمر عند الإسلاميين الأوائل، ما عدا النصارى منهم كأبي زبيد والأخطل والقطامي، قليل، لمكان التحريم وقرب عهد الصحابة. وقد رويت أشياء كما رأيت من شعر النعمان بن عدي وعبد الرحمن بن الحكم، وقد رووا ليزيد بن معاوية، وفي رسالة الغفران ما يشعر بذلك. ولا يجيء ذكر الخمر في شعر جرير إلا على وجه التشبيه وقد يلمح بذلك ولا يصرح كقوله:
حلأتنا عن قراح المزن في رصف ... لو شئت روى غليل الهائم الصادي
ولا غرو، فقد كان هو لا يتعاطاها، وكان يعدها من المثالب ويهجو أعداءه بها. قال يهجو الفرزدق:
ولا يخفي عليك شراب حد ... ولا ورهاء غائبة الحليل
وقد يجيء في شعر الفرزدق في معرض الغزل كقوله:
ولا زاد إلا فضلتان مدامة ... وأبيض من ماء الغمامة قرقف
وقد ذكروا له ما هو صريح في اللهو والسكر كقوله في عوام وأصحابه:
من يأت عوامًا ويشرب عنده ... يدع الصيام ولا تُصلى الأربع
ويبيت في حرج ويصبح همه ... برد الشراب وتارة يتهوع
ولقد مررت ببابهم فرأيتهم ... صرعى وآخر قائمًا يتتعتع (١)
فذكرت أهل النار حين رأيتهم ... وحمدت خالقنا على ما يصنع
وقد كان الفرزدق منهم، على ما يدعيه ههنا من موقف المتفرج والاستعاذة بذكر أهل النار. وهذا ونحوه مما مهد للمجون عند أمثال عمار ذي كناز ومن جاءوا بعده. وقال
(١) ديوانه (مصطفى محمد) ٢/ ٥١٤ مكان آخر بياض ونرجحها.