وهذا معنى بين الفلسفة والتصوف، آخره من تلك وأوله من هذه.
وقال أبو تمام، فجعل الخمر كأنها قضية منطقية:
عنبية ذهبية سبكت لها ... ذهب المعاني صاغه الشعراء
صعبت وراض المزج سيء خلقها ... فتعلمت من حسن خلق الماء
خرقاء يلعب بالعقول حبابها ... كتلاعب الأفعال بالأسماء
وضعيفة فإذا أصابت فرصةً ... قتلت كذلك قدرة الضعفاء
جهمية الأوصاف إلا أنهم ... قد لقبوها جوهر الأشياء
وقال، وقد أخذ عليه المطلع، بعض النقاد:
أفيكم فتىً حي فيخبرني عني ... بما شربت مشروبة الراح من ذهني
غدت وهي أولى من فؤادي بعزمتي ... ورحت بما في الدن أولى من الدن
لقد تركتني كأسها وحقيقتي ... مجازٌ وصبحٌ من يقيني كالظن
وهذا من ضرب كلام الصوفية كما ترى
وقد دمث البحتري من حزونة أبي تمام ولكنه اقتبس من دقة تأمله، وصوفية منحاه في بعض ما عرض له من نعت الخمر، كقوله:
فاشرب على زهر الرياض يشوبه ... زهر الخدود وزهرة الصهباء
من قهوة تنسى الهموم وتبعث الـ ... شوق الذي قد ضل في الأحشاء
يخفى الزجاجة لونها فكأنها ... في الكف قائمة بغير إناء
والشاهد ههنا ضلال الشوق في الأحشاء
وقال في السينية:
قد سقاني ولم يصرد أبو الغو ... ث على العسكرين شربة خلس
من مدام تقولها هي نجم ... أضوأ الليل أو مجاجة شمس