رجعة لا تخفى إلى طريقة القدماء. وإليه نظر المعرى حيث قال:
أيأتي نبي يجعل الخمر طلقةً ... فتحمل ثقلاً من همومي وأحزاني
وحيث قال:
تمنيت أن الخمر حلت لنشوةٍ ... تجهلني كيف اطمأنت بي الحال
فأذهل أني بالعارق على شفًا ... رزي الأماني لا أنيس ولا مال
على أن المعري في كلا قوليه هذين يلم بمعنى النشوة وذلك من سر الخمر ما تغنى به الأولون والتاع له المتأخرون واتخذه الصوفية رمزًا لليهام. قال ابن الفارض، وهو مشهور من قوله:
شربنا على ذكر الحبيب مدامةً ... سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكرم
لها البدر كأسٌ وهي شمسٌ يديرها ... هلالٌ وكم يبدو إذا مزجت نجم
ولولا شذاها ما اهتديت لحانها ... ولولا سناها ما تصورها الوهم
ولم يبق منها الدهر غير حشاشة ... كأن خفاها في صدور النهي كتم
فإن ذُكرت في الحي أصبح أهله ... نشاوى ولا عارٌ عليهم ولا إثم
وإن خطرت يومًا على خاطر امرئٍ ... أقامت به الأفراح وارتحل الهم
ولو نظر الندمان ختم إنائها ... لأسكرهم من دونها ذلك الختم
ولو نضحوا منها ثرى قبر ميتٍ ... لعادت إليه الروح وانتعش الجسم
ولو طرحوا في فيء حائط كرمها ... عليلاً وقد أشفى لفارقه السقم
وليس في هذه الأبيات معنى لم يجمله القدماء أو لم يفصله أبو نواس وأصحابه. اللهم إلا البيت الأول فيما يبدو. وأرى أن أصله من قول أبي نواس.
ذُخرت لآدم قبل طينته ... فتقدمته بخطوة القبل