للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى هذا الزعم إما أن تكون عصرتها الجن وإما الملائكة وذلك يبعدها عن الأرض.

والذي يجعل كلام ابن الفارض خالصًا في التصوف بالقياس إلى ما قدمنا، معنى الرجاء والشهود المتجرد فوق الثناء، وكل ذلك مستمد من روح النشوة الرمزية التي يصفها.

وأبيات ابن الفارض هذه جيدة في بابها ولعلها أجود ما قاله هو، على لين ما في متنها وذلك ما قد يغتفر.

وبعد فقد أوشكنا أن نطيل في هذا المعنى، فحسبنا هذا القدر منه.

ومما يستكمل به أيضًا في تتمة رمزية الشوق الإبل، وذلك شوط شاسع. وهي لا تكاد تخليها العرب من الرمز بها لكل شيء مما تعلق به الأفئدة. ولا غرو فالإبل رفاق العرب ومن أشبه خلق الله بهم كبرًا وصبرًا ورقة وحنينًا وألفًا لشظف العيش حتى يكون عندها بمنزلة الرغد. وقد عرفتها العرب في معنى الخصوبة والورد والسقيا، قال تعالى {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}. وقد شبهنها بالمرأة كالذي رأيت من الكناية عن النساء بالقلاص وقالوا في القلوص أنها الشابة من الإبل فنعموها كما تنعم الفتاة الكعاب. وقد نعتتها أيما نعت في باب الرحلة، وهذا مما نريد أن نعرض له فيما يلي.

وقد رأيت التباسها بالحمامة ومأساة الهديل في معرض حديثنا عنها وعن الأثافي. وإنما نذكر الإبل ههنا نلفتك إلى الكثير الذي جاء فيها، وجعلته هي، في حد ذاتها، رمزًا خالصًا للحنين، من ذلك قول المثقب، وهو من أروع ما قيل في هذا الباب:

إذا ما قمت أرحله بليلٍ ... تأوه آهة الرجل الحزين

والأبيات مشهورة. وإنما شبهها بالرجل الحزين لأن هذا أدل على الالتياع ثم لأنها منه بمكان المرأة، وقد جعلها بديلاً منها حيث قطع اللبانة ورحل- وهذا معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>