للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجموعات التي تقتني الرقيق، ومما يكون بمثله متنفس، للرجال دون النساء، من ضغط الحرمان. وقد كره الإسلام هذا من صنيعهم واستهجنه لما فيه من ضيم الإنسانية والدنس، فقال تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. فدل بهذا على حقهن عند الله. وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} فحث على المساواة بين الرقيق والأحرار في مبدأ الطهارة والعفة كما ترى (١) وأمرهم بأن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم، ووعدهم في ذلك الغنى فقال: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} - ثم أمر بالعفة لمن لا يتيسر له مهر الزوجة وأداة العيش قال: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ولم يفرق في ذلك بين عبد وحر. وقال تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فأوجب الحد على الأحرار والعبيد كما ترى. قال الطبري، حدثني أبو السائب، قال ثنا حفص بن غياث، قال ثنا أشعث، عن أبيه، قال أتيت أبا برزة الأسلمي في حاجة، وقد أحرج جارية إلى باب الدار، وقد زنت، فدعا رجلاً، فقال اضربها خمسين، فدعا جماعة ثم قرأ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أ. هـ (٢)

وهذا الذي صنعه الإسلام من التخفيف على الأرقاء والأخذ بساعدهم قد ضاقت به ربقة الحرمان على العربي أضعاف ما كانت عليه في الجاهلية.

وقد بقيت مع ذلك عند العرب بقية من ازدواجيتهم الخلقية الأولى مما كان يزيد به معنى الغيرة على الحرائر. من ذلك أنهم مع الذي صاروا إليه من إلحاق الهجناء


(١) تفسير الطبري ١٨/ ١٢٦.
(٢) نفسه ١٨/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>