هذا وسباء النساء كان مما يدخل في عرف الفروسية على طريقة عكسة بالنسبة إلى ما سبق. ذلك بأن الفارس إنما كانت تميزه الغارة. وكان أشجع الفرسان يعتمدون أعز ما ينهب فيقصدونه. ولم يكن شيء أعز من النساء. قال الحماسي (١).
والحرب لا ييبقى لجا ... حمها التخيل والمراح
إلا الفتى الصبار في النـ ... جدات والفرس الوقاح
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح
فالهم بيضات الخدو ... رهناك لا النعم المراح
وخبر طسم وجديس من أفظع أخبار الفحولة والسباء. وذلك أن طمسًا لما غلبت جديس وملكتها، فرضت عليها فيما يذكرون، ألا يبنى فيها بعروس قبل أن يفتضها سيد طسم. وقد أنفت جديس من هذا الخزي آخر الأمر، فدبرت لطسم تدبيرًا اصطلمتها به. وبلغ ذلك حسان ملك حمير، فغضب للذي أصاب طسما، وسار إلى جديس فغزاهم كما مر بك في خبر الزرقاء، فلم ينج منها إلا رجل واحد هو الأسود بن عفار، وفر هذا إلى الجبلين، فاحتالت عليه طيء فقتلته فكان ذلك آخر العهد بجديس.
وخبر ذي شناتر لاحق بخبر طسم وجديس وشبيه به في فظاعة ما تبلغه الفحولة. وذلك أن ذا شناتر استلب ملك اليمن ولم يكن من بيت الملك. فعمد إلى سياسة من البغي الفاحش، يخضع بها أبناء الأذواء وهم صغار، حتى لا تحدثهم أنفسهم بالانتقاض عليه وهم كبار وغبر دهرًا يفعل ذلك. فأنف ذو نواس لما هم به فأراده على ما كان يريد عليه غيره. فقتله ذو نواس وملك حمير دهرًا. ثم خد الأخدود لنصارى نجران فيما زعموا. فغضبت لذلك الحبشة فغزته. فلما انهزم اقتحم