بفرسه البحر، فكان ذلك آخر العهد به وبالتبايعة أيضًا: والخبران كما ترى يبتدئان بطرف من سرف الفحولة، وينتهيان بأنفة الغيرة وانتصارها. ثم كأن الله لم يرضه ما كان من الفاحشة أن يدع له بقية. فأصار طسمًا وجديس وتبعًا والحبشة جميعًا إلى الهلاك. والعبرة في جميع هذا لا تخفى.
وكان نحو هذا من صنيعهم يعد من الفحولة. وليس أحد من الناس بأشد ادعاء للفحولة، أو أعلق بفضيلتها منهم، حتى لقد قالوا كلام فحل وشعر فحل وشاعر فحل. وكأن الفحولة كانت ردًا منهم يردون به على احتدام الغيرة. ولقد تكون الغيرة من شواهدها أو دوافعها فيختلط الأمران، من ذلك أن ربيعة بن مكدم حين قتل الفوارس دون ظعائنه كان فحلاً كما كان غيورًا حمى الأنف. والذين قاتلوه كانوا يرومون أن يكونوا أفحل منه، بأن يغلبوه على الظعائن أو يقتلوه ثم ينتبهوهن ودمه يسيل وأنف غيرته راغم.
وبعد فجميع هذا العوامل التي ذكرنا اقتصاديها، ووئنيها، وعرفيها وسواها مما لم نذكره قد اختلطت فنشأت منها عند العرب غيرة عارمة, قال الأعشى يصف زوج امرأة وشبب بها:
لها ملكٌ كان يخشى القراف ... إذا خالط الظن منه الضميرا
إذا نزل الحي حل الجحيش ... شقيًا غويًا مبينًا غيورا
هذا في الجاهلية.
وقال عبد الله بن الدمينة يذكر امرأة وواليها:
ولما لحقنا بالحمول ودونها ... خميص الحشى توهي القميص عواتقه
قليل قذى العينين يعلم أنه ... هو الموت إن لم تصرعنا بوائقه
عرضنا فسلمنا فسلم كارهًا ... علينا وتبريح من الغيظ خانقه