وهذه الأبيات أجمل ما في القصيدة، وهي من أجل شعر التيجاني. ولو كان نظم سائر القصيدة على منوالها لكان قد أحسن جدًا. على أنها ذاتها لا تخلو من مآخذ لغوية كما في بيته "ورب قنواء إلخ" ومراده أن يقول: وربب دوحة سامقة، فأساء في الأداء. والقنا توصف به الأنوف، وهو احديداب مع ارتفاع، وقد يوجد للتيجاني في استعماله هنا مخرج وتأول. والعصم جمع أعصم وعصماء, وهي ضرب من الوعول لا تأوي إلى رؤوس الشجر، وإنما تأوي إلى شعاف الجبال. (وتوجد في شمال السودان) والأنوق وهي الرخم تقر على الطوال والقصار من الشجر كما تقر على الأرض، وقد رأيتها تفعل ذلك. ولعل الشاعر غره قولهم:" بيض الأنوق والأبلق العقوق" فحسب أن مقر الأنوق كمقر بيضه (١).
هذا، وفي غير الأبيات التي ذكرناها ركب المرحوم التيجاني ضروبًا من التكلف أفسد عليه لفظه فأوقعه في الركاكة، وبعضها أفسد عليه معانيه، وشاب صدق عاطفته بنوع من كذب -من ذلك قوله عن سواقي النيل يصف جرارها المشعوبة:
(١) أو أراد المبالغة وهو وجه جائز وقد كان رحمه الله شابا لم يتجاوز الخامسة والعشرين.