وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} - وكانت براءة أمنا عائشة رضي الله عنها في التنزيل من أعلى ما انتصر به الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد نستطرد ههنا فنشير إلى ما يزعمه بعضهم من أن الذي كان بين علي وعائشة يوم الجمل مرده إلى حديث الإفك. ولقد كانت عائشة أوثق بما عند الله في ذلك الشأن من أن تجعل من رسيس الإحن ذريعة إلى سفك الدماء وخوض الفتن.
ولقد عفت عن حسان وكان ممن أفكوا وزعم بعض المفسرين أنه المشار إليه بقوله تعالى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وأن العذاب العظيم الذي أصابه ذهاب بصره وأنه كنع بالسيف (١). وما أحسب إلا أن حسّان قد لمح إلى ما كان منه في ذلك حين مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتح وقال:
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
وإن يك حسان لا يقاس بعلي، فإن الذي جاء به لا يكون عنه عفو إلا مع غاية العمق من الإيمان، وذروة المحتد من الشرف. وكذلك كانت أم المؤمنين.
وما أشك أن الذي أخرج عائشة يوم الجمل كراهيتها ما كان من انتهاك الغوغاء لحرمة عثمان رضي الله عنه وحرمة المدينة، وبالغوغاء سمتهم هي، وكانت رضي الله عنها من أعرف المؤمنين بحقوق المؤمنين وأدراهم بفضيلة قريش والأنصار. وقد تعلم أن أباها هو الذي وقف يوم السقيفة فذكر سابقة الأنصار والمهاجرين ثم أفصح بحجة قريش. ثم بقريش وبالأنصار وأهل القرى الثلاث ومن حولهم صد ريعان الردة وفل شوكتها وقتل صناديدها. وكان أكثر الناهضين بأمر الفتنة من أشلائهم وأبنائهم. وقد كان يسوء عائشة غلبتهم وهو ما هم على أمر علي، كما قد ساءها موقف أخيها محمد منهم، وكانت تحبه بلا أدنى ريب. ولم يكن رأي علي كرم الله وجهه في هؤلاء الذين أطافوا به وأحدقوا بأرفق أو ألين من رأيها. شاهد ذلك ما قاله