العرب من أفعل شيء لذلك، وكانوا إذا أُحفظوا في هذا الباب حكموا السيف ولم يتردد سيدنا سعد بن معاذ حين سمع حديث الإفك أن أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بضرب أعناق الآفكين، فدافعه سعد بن عبادة عن ذلك، إذ كان جماعة منهم من قومه، خشية أن تلحق الخزرج من ذلك سبة الدهر. وكادت تكون فتنة.
ولكيما يقر الشرع أمر القذف عند قرار تسلم به المجموعة من ألاحن والفتن وتجتمع معه وجوه صيانة العرض والشرف عند جامع من العدل والحق والوئام، فرض الحد ولم يبلغ به ضرب الأعناق، وجعله شديدًا قاهرًا رادعًا، وجعل الوقوع في طائلته قريبًا يسيرًا إذ لا سبيل إلى تحصيل أربعة شهداء كل منهم يقول رأيت وسمعت. فكان الشرع بفعله هذا معززًا لقانون الغيرة -وهو كما قدمنا وحده كفيل بدرء الفاحشة- بما يقيه أن يضيمه لجاج الشقاق والحمية والغرور وما كان من مذاهب الفحولة والعصبية الجاهلية.
ولقد احترز الشرع في باب العشرة بالملاعنة. فسدّ بذلك الثغرات جميعها ومما يدلك على أهمية ما احتاط له الشرع من شرف الأسرة والعشيرة والقبيلة بتشديده في أمر الشهداء الأربعة، أن أول قضية للملاعنة كان فيها جانب المرأة ضعيفًا بحسب ما يبدو من سياق الرواية ونصها، فأما زوجها فمضى في الشهادات الأربع الأوليات ثم لما استوقف عند الخامسة التي ذكر فيها اللعنة وهي الموجبة، لم يتردد ومضى كما مضى في سابقاتها. وأما هي فلما استوقفت عند الخامسة، وذكرت بأنها الموجبة، وأن معها عذاب الله الذي هو أشد من عذاب الناس، تلكأت ثم قالت «والله لا أفضح قومي»(الطبري ١٨ - ٨٣) كأنها تعتذر بذلك إلى ربها، ثم أقدمت على الخامسة. وشاهدنا ههنا ما اضطربت فيه تلك المرأة بين داعي العقيدة والقبيلة ثم احتالت لنفسها مخرجًا بينهما. ولقد كان الدين آنئذ غضًا والإيمان غير ذي أمت ولا عوج. ولا احتجاج بأن داعي البقاء هو الذي لواها عن الخامسة، فإن الذي بلغنا من استرخاص أولئك