للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي باطنه إنما هو كناية عن امرأة من نساء الحي، والتصريح، لا بل ما دون التصريح، في نحو هذا نائرة. قال حتم طيء:

وما ضر جارًا يا ابنة القوم إن يكن ... يجاورني ألا يكون له ستر

بعيني عن جارات قومي غضةٌ ... وفي السمع مني عن أحاديثهم وقر

وقوله أحاديثهم رد فيه الضمير على جمع المذكر كما ترى. ومراده أن يلمح إلى أنه لا يتسمع إلى ما قد يعن من اغتياب امرأة، حتى لا يطمع إليها فؤاده بعد غياب أوليائها. وهذا كله من شريف الكلام الذي يجاوز مجرد خشونة الغيرة والحفاظ إلى ذروة من مثل الفضيلة الأعلى. ومثل هذا قد أمر به أهل الكتابين. ولا يستبعد أن تكون الفروسية العربية قد تأثرت به على وجه من الوجوه. والذي لا مدفع له أن الذي حدث في الفروسية الأوربية من مبدأ المروءة والتحنن إزاء الكرائم (١) والضعاف، قد كان من تأثير القسسة والقساوسة والرهبان وتعاليم الكنيسة.

ومما يشبه كلام حاتم، إلا أن صاحبه قد أشر به معنى الفحولة والتحدي، فجاء ببعضه جاهليًا كالحًا، قول عنترة:

أغشي فتاة الحي عند حليلها ... وإذا غزا في الحرب لا أغشاها

وأغض طرفي ما بدت لي جارتي ... حتى يوارى جارتي مأواها

والجاهلي الكالح ما افتخر به على مذهب الفحولة في البيت الأول. والثاني جار على مذهب حاتم، ودونه في مرتبة الشرف، إذ حاتم قد ادعى أن جارته لا تحتاج معه إلى ستر إذ طرفه أبدًا مغضوض، لا تأخذه فجاءة ولا تخالسه الريب.

هذا، وقد ذكرت لنا القصص كيف غلب الناس على أمرهم، فصرحوا باسم


(١) تقول الكرائم نعني بذلك نساء الأشراف، إذ نساء العامة قد كن عند الإفرنج عرضة لضروب من الهوان وراجع كتبهم في التاريخ ثم لعل أكثر أمر الفروسية إنما أخذته أوروبا من المسلمين في الأندلس وغيرها والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>