من يهوون، ولم يتجاوزوا في ذلك قصد العفاف، ومع هذا حيل بينهم وبين ما كانوا يشتهون، حينما طلبوه من طريق الخطبة المشروعة -وما كان ذلك إلا أنفة أن يظن بالفتاة أمر من ريبة يراد ستره بالخبطة. من ذلك خبر المرقش وعروة بن حزام ومجنون ليلى. وقد تعلم ما صار إليه هؤلاء من الضيعة والتلف فيما ذكروا. وخبر جميل قريب من أخبارهم، إلا أنا نراه أدخل في مذهب الغزل الحجازي الذي كان عليه عمر وابن قيس الرقيات والأحوص وكثير عزة وأضرابهم. وهؤلاء قد كانوا مما يصرحون بأسماء عقائل بأعيانهن كما قد كانوا يكنون كنايات غيرهم. وعندي أنهم في هذا التصريح على مذهب مقارب لما جرى عليه جرير والفرزدق ولفهما في القذف -وأعني بقولي مقارب ههنا معنى المقاربة في المأتى غير الجاد، من حيث حاق التعرض لمساس الأعراض. وهذا باب نأمل أن نفيض فيه من بعد إن شاء الله.
هذا ومما كانوا يكنون به الزوجة والجارة والجار والبنت، وقد ألمعنا ببعض هذا من قبل. والعاذلة مما يجري مجرى الزوجة والقريبة في الكناية. وقد كان زهير في الجاهليين مما يكنى بزوجته، وقد يكون كثير من هذا من باب التصريح، ونحوه يحل، لأن الزوجة وليها زوجها كما لا يخفى. وقد يكون بعضه من باب الكناية عن علائق ما بينه وبين زوجته، مما لا يتسع له مجال التصريح، فيورده الشاعر مورد النسيب. وقد كان زهير لم يوفق في صحبة أم أوفى، فطلقها. وقد قال فيما قال وهو يحن إليها:
لقد باليت مظعن أم أوفى ... ولكن أم أوفي لا تبالي
وقلده في هذه الطريقة الفرزدق حيث يذكر النوار.
وقد كان جرير مما يكثر الكناية بزوجته يتحصن بذلك أن يظن به إرادة غيرها، ومكان ذلك لا يخفى من شعره، وربما فصّلناه بعد. قال:
وخالدة زوجته أم حرزة. وعسى أن تكون هند زوجة أخرى له. وأما الخوالد