للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذا من الثورة على التشابه ما ترى.

وزعموا أن عنترة أول ما أرادوه - على وجه التحدي - أن يجلي عن نفسه فيقول شعرا ليثبت أنه فصيح كما هو فارس، نظم المعلقة، ومطلعها:

هل غادرَ الشعراءُ من مُتَردَّم ... أَم هل عَرَفْتَ الدَّارَ بعد تَوَهُّم

وفي هذا من الثورة على النماذج ما فيه.

وقال الحماسي:

خَيالٌ لأُمِّ السَّلْسَبيل وبيْنَنَا ... مَسافَةُ شَهْرٍ للْبَريدِ المُذبْذَبِ

معاذَ الإلَهِ أَن تَكُونَ كظبيَةٍ ... ولا دُمْيَةٍ ولا عَقيلَةِ رَبْرَب

ولكنَّها زِيْدت على الْحُسْن كُلِّه ... كَمالًا ومن طِيبٍ عَلى كُلِّ طِيِّب

فضاق هذا الحماسي ذرعا كما ترى بتشبيه الدمية والظبية وعقيلة الربرب، ومع هذا فإنه لم يستطع كما لم يستطع عنترة ولا زهير قبله أن يخرج عن مذهب التشابه.

ونحو هذه الثورة في شعر الإسلاميين والمولدين إلى عصرنا هذا الحاضر كثير.

والحق أن تشابه النماذج مما يخشى معه ضياع الصدق والحرارة اللذين يكونان في تجربة الشاعر الفردية. ولكن الشعر العربي لا يمكن أن يؤبن في هذا الصدد ولذلك أسباب سيرى القارىء منها في التفصيل. ونكتفي ههنا أن نجملهن في اثنين على وجه التمهيد: أولها أن التشابه في نماذج القول العاطفي أبدا يكون مستمدا من التشابه العاطفي بين الناس، ومرميا فيه إلى تشخيص مثل أعلى تضمحل معه أوجه الخلاف بين التجارب الفردية والشاعر وهو فرد يعمد إلى أن تتحد تجربته الخاصة مع المثل الأعلى النموذجي. فعلى مقدار صدقه وحرارته ومقدرته على البيان، تكون معاني الصدق والحرارة والإبانة في النموذج الذي يعرضه.

<<  <  ج: ص:  >  >>