للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحَا الْقَلْبُ عن سَلْمَى وأَقْصَر باطِلُهْ ... وَعُرِّيَ أَفْراسُ الصِّبا، وَرواحِلُهْ

وأَقْصَرْتُ عَمَّا تَعْلَمِيْن وسُدِّدَتْ ... عَلَيَّ سوَى قَصْدِ السَّبيل مَعَادِلُهْ

وقال العذارى إنما أَنْتَ عَمُّنا ... وكانَ الشَّبابُ كالْخَلِيط نُزايلُهْ

وأَصبَحْتُ ما يَعْرفن إِلا خليقتي ... والأسوادَ الرَّأْس والشيْبُ شاملُهْ

لمن طَللٌ كالْوَحْي عافٍ منازله ... عفا الرسُّ منه فالرسيس فعاقِلُهْ

ومضى في نعت الطلل، وغير خاف ههنا أن الطلل إنما كنى به زهير عن نفسه بدليل موقعه بعد صفة نفسة بالتبدل عما كان عليه عصر الشباب. وقد ألمعنا إلى هذا المعنى في ذيلنا على كتابنا الحماسة الصغرى (١) - وهذا الوجه يؤيد ما قدمناه آنفا عن طلل امرئ القيس ويقويه.

ومما يحسن ذكره ههنا أن زهيرا في قصيدتيه اللتين استهل فيهما بذكر الصحو، هذه التي قدمنا، والأخرى التي مطلعها:

صَحا الْقَلْبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأَقْفَر من سَلْمَى التَّعَانيقُ والثَقلُ

قد سلك مذهبا من المدح الجاد. والمطلع مشعر ببعض هذا، لادعاء الشاعر فيه أنه قد غادر زمان اللهو وراءه فلم يبق إلا الجد واتباع المآثر والدفاع عنها.

وقال علقمة بن عبدة:

طحا بك قَلْب في الحسان طَرُوب ... بُعَيْدَ الشَّباب عَصْر حَانَ مَشِيبُ

وفي هذا المطلع اختلاف عن مذهب زهير، وذلك أن علقمة لا يدعي لنفسه الحزم والإقلاع عن اللهو كما أقلع زهير، ولكن يذكر صبوة ورَوْمًا لوداد النساء بأصيل من الشباب. والنساء لا يأبهن لنحو هذا إلا مع الغنى، ومفهوم ضمنا أنه لم يكن ذا يسار. وقد لام علقمة نفسه على ما كان من صبوتها واستحثها أن تستيقظ


(١) طبعة الدار السودانية سنة ١٩٦٩ م

<<  <  ج: ص:  >  >>