للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لطلب المكارم وقصد الكرام والاستجابة لدعوة من نوائب الحق قد أهابت به، وذلك بالسعي في أمر أخيه شاس واستنقاذه مما وقع فيه من ذل الأسر.

ولا تخلو مقدمة علقمة النسيبية من معاني الرمز بغناء الغزل إلى ما هو بصدده من استعطاف الملك واستدرار رحمته. ألا ترى أنه كما لم يقدر على التحبب والتودد والتماس الوصل من حسنائه الربعية (وربيعة قد كانوا أعداء قومه تميم) بأكثر من أن يرقق لها في المقالة ويستجديها ويدعو لها بالسقيا أو كما قال:

فلا تَعدلي بيني وبَيْن مُغمَّرٍ ... سَقَتْكِ روايا الْمُزْن حين تَصُوبُ

سقاكِ يَمانٍ ذو حَبيٍّ وعارضٌ ... تَرُوحُ به جُنْح الْعَشيِّ جنوب

كذلك لم يقدر من المفاوضة مع الحرث الغساني في أمر فداء أخيه بأكثر من الترقيق في القول والاستجداء والمدح الذي يقوم مقام الدعاء؟ ولقد كان الحرث الغساني سيد قوم عدو لقومه بني تميم ومن كان إليهم ضلعهم من ملوك الحيرة.

على أن بين المقامين فرقا واحدا وهو أن استجداء الحسناء قد ييأس منه المستجدي بغير ذريعة من مال أو شباب، ولذلك قال علقمة:

فَدَعها وسلِّ الهمَّ عنك بِجَسْرَةٍ ... كهمك فيها بالرِّداف خبيب

ولكن استجداء السيد الملك ليس كذلك. ولا سيما إن كان فحلا جزلا أريحيا:

مُظاهر سِرْبالَي حَديدٍ عليهما ... عَقيلا سُيُوفٍ مِخْذَمٌ ورسُوب

فمن عند مثله ينتظر العطاء والمن والحباء. وذلك قوله:

إلى الحَرثِ الْوَهَّاب أَعمَلْت نَاقتي ... لكَلْكَلِهَا والقُصْرَيَيْن وَجيب

وأَنْتَ امْرؤٌ أَفضَت إليك أَمانتي ... وقَبْلَكَ ربَّتْني فَضعتُ ريوب

وفي كلِّ حيٍّ قد خبطتَّ بنعمةٍ ... فحُقَّ لشأْسٍ من نداك ذَنوب

<<  <  ج: ص:  >  >>