وإما النابغة فقد زعم أن حبل سعاد قد انجذم، فليست له من حاجة بائنة إلا أن يكتفي بنفسه ويتعزى عزاء الكرام - قال:
هلا سألت بني ذُبْيَانَ ما حَسَبي ... إِذا الدُّخان تَغَشَّى الأشمط الْبرَما
يُنْبئك ذو عرضهم عنِّي وعالمُهم ... وليس جاهلُ شيءٍ مثْلَ من علما
أَنِّي أُتِّممُ أَيساري وأَمنِحهم ... مَثْنَى الأيادي وأَكْسُو الْجفْنَةَ الْأدُما
وأَقْطَع الْخَرق بالْخَرْقاءِ قد جعلَتْ ... بعد الكلال تشكي الأينْ والسأَما
وفي المطلع بعد، في الماعِهِ بالعزاء، وتصرم الحاج، كالإيحاء بأن في أغوار النفس حاجة لم تنقض. وهذا المعنى من هذه الكلمة سنذكر لك عنه شيئًا من بعد، عما قليل إن شاء الله.
وقال زهير:
إنَّ الْخَليطَ أَجدَّ الْبين فانفرقا ... وعُلِّق الْقَلْبُ من أَسماءَ ما علِقَا
وجاء من بعد وصف للروضة ومدح رائع لهرم بن ستان - وفي قوله "وعلق القلب من أسماء ما علقا" رمز واف في تضمن معنى هذا. وقال ابنه كعب:
بانت سعادٍ فقلبي اليوم متبول ... متيم أثرها لم يُفْدَ مكبول
وبعد أن تقرأ القصيدة تجد لقوله "لم يفد" ولقوله "مكبول" تضمنا لمعنى ما أخذ فيه بعد من الاعتذار، ورجاء أن من رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بعد أن قد أحاط به إساره:
نُبِّئْتُ أَنَّ رسُول الله أَوعدني ... والْعفْوُ عِنْد رسُول الله مأْمُول
وقدْ أَتَيتُ رَسولَ الله مُعتَذِرًا ... والْعُذْرُ عنْد رسُول الله مقبُول
مهلًا هداكَ الَّذي أَعْطاك نافلَة الْـ ... ـقُرآن فيها مواعيظ وتَفْصيلُ
لا تَأْخُذَنِّي بأقوال الْوشاهِ ولم ... أُذْنِبْ وقَد كَثُرَتْ فيَّ الأقاويل