للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحارث بن حلزة اليشكري:

آذَنَتْنَا ببينها أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ منْهُ الثواءُ

فجاء بكلام مشكل في عجز البيت الذي استهل به - إذ ما معنى التحسر على البين إذا كان هو قد ملها؟ أليس فيه إشعار بأن قربها ربَّما كان مِمَّا لا يرغب فيه، وأن لا أسف إذا تولت، إذ أقل ما يخشى من مكثها الملال، وقد عكس هذا المعنى كثير على عادته في السرق فقال:

نُرِيدُ الثَّواءَ عِنْدها وأَظُنُّها ... إذا ما أَطَلْنا عندها الْمُكْثَ ملَّتِ

وكأنه أراد ليظهر بمظهر أرق من الحارث إذ جعل المحب هو الملول لا المحبوب. ولا يعقل في مثله أنه لم يفطن إلى ما كان يرمي إليه الحارث من حاق الرمز، اللهم إلا إذا صح ما يزعمه الرواة عن حماقته.

وقصيدة الحارث كما يعلم القاريء أصلحه الله إنما هي في باب الخصومة، لا يعطي الحرث أعداءه بني تغلب خطة من خطط اللين، ولا يعترف لهم بسابقة فضل أو عز أو سيادة. ويكاد بهجوهم مما يعدد من أيام قومه عليهم وأياديهم على الملك - ويضمن حجته أنهم مقبلون على السلم الكريمة إن أقبلت بها عليهم تغلب. وإلا فإنهم كما قال:

فَبقينا على الشَّناءَةِ ... تنْمينا حصُونٌ وعِزَّةٌ قَعْساءُ

ولن يبالوا أن تستمر الخصومة وأن يبين عنهم التغلبيون كل البين "فرب ثاو يمل منه الثواء".

وقال المثقب العبدي:

أَفاطِم قْبلَ بينِكِ متِّعيني ... ومنْعُك مَا سَأَلْتُ كَأَنْ تَبيني

<<  <  ج: ص:  >  >>