وفيها أيضا مقدمة نسيبية رائعة في نعت الظعائن يتتبعهن الشاعر بعين فؤاده حيث حللن وحيث ارتحلن حتى أقمن عند مقام أطمأن بهن. وهذا النموذج تجده عند زهير في المعلقة. وفي كلتا القصيدتين تغن بالسلم إما مصرحا به أو مُضَمَّنا في تصوير ما تجيء به الحرب من شقاق وهلاك وبوار، وفيها مع ذلك تمسك عزيز بقيم الحفاظ وإنكار الضيم. وسنفصل عن نموذج الظعائن فيها عما قليل إن شاء الله.
وفي تصوير الظعائن عند المثقب بعض التحوير إذ الشاعر لا ينفك يراهن ويخاطبهن وهن لا يكدن يستقررن عند مقام يطمئن بهن، وهذا يلائم ما أفصح به عند مخاطبة عمرو، من الملامة والدعوة إلى أن يستقر أمرهما عند قرار من المودة والخير والرفه، وكل ذلك مرغوب فيه، أو يصير إلى العداوة الواضحة التي لا يكون معها إلا القتال والشر وذلك ما يخشاه ولا يجد عنه من فرار.
وقال الشنفري:
ألا أُمُّ عمْرٍو أَجْمَعَتْ فاسْتَقَلّتِ ... وما ودَّعَت جِيرانَها إِذ تَوَلَّتِ
ثم اختصر وصف الظعائن في بيتين وتحسر على فراقها بعد ذلك أيما حسرة ثم أخذ يتغنى بذكراها وافتخر بعد بالحرب والقتال، وداخل فخره هذا بشعور مر من كراهة ما هو فيه، هذا الذي يفتخر به، وفظاعته - ثم اختم بيأس تداخله ألوان من قلة المبالاة:
إِذا ما أَتَتْني مِيتَتِي لَمْ أُبالِها ... ولم تُذْرِ خَالاتي الدُّموعَ وعمَّتي
ولم يجد في كل هذا عزاء إلا خويصة نفسه، وما كانت تمسك به من مباديء: