للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا المجرى أنه هدد ابن أبي ربيعة ولفَّه أن يذكروا اسم فاطمة بنت عبد الملك لما حجت، ولاشتهار الحجاج بالغيرة، وقد ذكرت له في ذلك أخبار، مدحه جرير بقوله:

أَم من يَغَارُ على النِّساءِ حفِيظةً ... إذْ لا يثِقْن بغَيْرةِ الأزواج

وعسى أن يكون في ذكر المسك المتضوع أشعار بنوع من التبرج، من قبيل الضرب بالأرجل ليعلم ما خفي من الزينة.

ومما كأنه قد ساء الحجاج في تائية النميري، قوله:

ولما رَأَتْ رَكْب النُّمَيرِيِّ أَعرضت ... وكُنَّ مَن أنْ يلْقيْنَهُ خَفِرات

وليس في هذا كبير شيء، إلا يسير من خبث. وغير بعيد أن يكون الحجاج قد أنف من هذا الخبث الطفيف أن يرويه أهل العراق، وقد رووه، فيكون ذلك كأنه هجاء له ونقص من قدره.

هذا، ومن ذلك أيضا ما رووه من تحرش أهل المدينة بالفرزدق إذ قال:

هما دلَّتاني من ثمانين قامةً ... كما انْقَضَّ بازٍ أَقْتَمُ الرِّيش كاسره

وقد أشرنا إلى هذا آنفا. وقد زعموا في خبر ما كان من ذلك أن مروان بن الحكم، اضطغن على الفرزدق قولة قالها له، لما قدم هذا فارا من زياد، فمدح سعيد بن العاص وكان واليا للمدينة، وكانت بينه وبين مروان منافسة وشحناء فقال:

قيامًا ينْظُرون إلى سعيد ... كأَنَّهم يَروْنَ به هلالا

فقال مروان للفرزدق "قيودا" كأنه يُنَبِّهُهُ إلى أن في قوله "قياما" افتئاتا عليه هو. وعلى غيره ممن كان في المجلس من سادة قريش فقال الفرزدق على طريقته في سرعة البادرة والجراءة "إنك يا أبا عبد الملك من بينهم لصافن" ومثل هذا يضطغن.

<<  <  ج: ص:  >  >>