فأخذوا عليه إرادته أن ينسى ذكرها - وليس هذا من قريّ ما سبق، وإنما شاهدنا فيه الإيماءة النقدية ليس إلا.
ونحن قد نَحْرَجُ ههنا من أن نفصل حيث أجملوا أو أومأوا أو أضربوا عن ذكر شيء غير مجرد الاستحسان والاختيار، ولكن يجيز لنا ما نحاوله من الكشف، قصد الدرس، وطلب التفهم لمعاني شعرهم، إذ بعيدة شقة ما بيننا وبينهم من الزمان وحجبه الكثيفة. ومع التفهم والدرس يكون التذوق. ثم عسى أن يعيننا ذلك على تصحيح كثير مما نحن فيه من قيم، فهذا هذا.
والإيحاء والإيماء في باب الغزل ونعته، كله فيما نرى، يدور حول معاني الاشتهاء والحرمان والنزاع، أو قل حول لوعة الجنس، واستماحة الود والرحمة. قال تعالى:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} - فهذا نهي عن فضل الشهوة. وقال تعالى:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فهذا أمر بالصبر على مضض الحرمان: وقال تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فهذا بيان لأسمى ما يكون من علاقات الحب بعد علاقات الزواج وقال أبو تمام ونظر إلى هذا المعنى من قوله جل وعزَّ:
على أن أول الحب مما تخمد جذوته بعد أن يتلئب الوصال. وتبقى الرحمة والمودة، وهما أقيم منه، وتغلبانه عندما تطيش نوازع النفس. والشعراء الصادقون مما يسجلون هذه النوازع الطائشة. والعرف يعين الرحمة والمودة. وقد يقع عند النفوس الثوّارة أن تخرج عليه، فتنكر في الخروج عليه فضل الرحمة والمودة وقد ذهب برتراند رسل إلى هذا المعنى في جانب ما كتبه عن الأخلاق والزواج، واستشهد بشعر من شلي، وقد ندّ عني موضع ذلك فلينظر ولم يخل رسل من شطط على ما