للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد شهدنا في عصرنا هذا وفي العصر الذي سبقه كتابا يفردون التصانيف المنتقاة للحديث عن اللوعة الجنسية. وقد ثارت على بعضهم الثوائر فيما صنعوه، كالقضية التي رفعت ضد الكاتب الفرنسي فلوبير باسم الفضيلة في قصته مدام بوفاري، وكالقدح الذي قدح به لورنس في قصته عن ليدي شتلري وعاشقها. ثم انتصف لهؤلاء ما أحسه الناس في تصنيفهم من التماس الصدق، وبعدهم كل البعد عن إرادة الاستهتار بمعنى الإباحة. ولا يكون الصدق عن هذا الدافع البشري العميق الذي التوى بالناس إساءتهم إلى مدلول الغيرة وعدوانهم على كنه فضيلة العفاف، حتى أداهم إلى تشويهه، مما يؤبن بأنه مادي. واللوعة الجنسية مما تختلط فيها معاني الرحمة والمودة وغير ذلك من قريان الهيام الروحي أيما اختلاط، حتى يوشك أن يعسر التمييز والتعيين. ولأمر ما تخيّر الصوفية الرمز الغزلي فوق كل رمز، وارتفعوا به فوق كل مدلول للمعنى الجنسي إلى فيض الأثيرية المحض. والصدق الصوفي على هذا إنما يجزيء في باب الأغراض الصوفية وحدها. ويبقى بعد الصدق الجنسي ليجزىء فيما هو من خالص عمق البشرية من الأغراض، ولقد كان العرب، أهل البداوة منهم خاصة، من أصدق أمة تعبيرا في هذا الصدد، على ما بنوا عليه من خشونة الغيرة والحفاظ وشدة العفاف، بل قل من أجل ذلك. ولقد تجد في أخبار ما كان يُسْتَفْتَى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجيب في هذا المضمار شواهد كثيرة بالغة. من ذلك أخبار الأنصاريات إذ سألن عن بعض ما هو من أسرار النساء. ومن ذلك خير العزل وسياق الخبر في رواياته. وأشياء كثيرة في هذا المعنى، هي الآن من جوهر ما يتقصده العلماء ويفردون له الدراسات ولا يستحيون، على ما يتكلفونه لذلك من لاتينية الاصطلاحات، وعنت التراكيب.

هذا وقد كان الشاعر العربي، متى أراد إلى الإفصاح عن لوعة الجنس ويلابس ذلك معنى المودة والرحمة غالبين عليه أو مغلوبين، مما يلمح، طورا في وقار واستحياء، وطورا في تردد وحرج، وطورا في شوق ونشوة، وطورا في فكاهة أو

<<  <  ج: ص:  >  >>