للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جسارة أو تخابث أو موارد من القول هي شوب من كل ذلك أو متفرعات عنه. وقد يخلو أداؤه أحيانا من هذا جميعه فيكون إراغة إلى محض الحنين، ومعاني اللوعة متضمنة في ذلك. وإنما يظهر هذا الوجه العسر العزيز حين يذيب الشاعر حاقّ ذاتيته إذابة فيما يعتمده من نموذج. ويوشك أن يقارب هذا المذهب مذاهب المتصوفة. قال معاوية معود الحكماء:

أَجَدَّ الْقَلْبُ من سلمى اجتنابا ... وأَقْصَر بَعْد ما شابَتْ وشابا

وشابَ لِداتهُ وعَدَلْنَ عَنْهُ ... كما أَنْضيْتَ من لُبْسٍ ثيابا

فإن تَكُ نَبْلُها طاشتْ وَنَبْلي ... فقد نَرْمي بها حِقَبًا ضِيابا

فتَصطادُ الرِّجالَ إذا رَمتْهُمْ ... وأَصطادُ الْمُخَبَّأَةَ الكعَابا

فإن تكُ لا تَصِيدُ الْيَوْمَ شَيْئًا ... وآب قَنِيصُها سَلمًا وخابا

فإِنَّ لها منازِل خاوِياتٍ ... على نَمَلى وَقَفْتُ بها الرِّكابا

من الأجزاع، أَسفَل من نُميلٍ ... كما رجعت بالقلمِ الكتابا

كتاب مُجَبِّرٍ هاجٍ بصيرٍ ... يُنَمِّقُه وحاذر أَن يُعابا

وَقَفتُ بها الْقَلُوص فلم تُجِبْني ... ولو أَمْسى بها حَيٌّ أَجابا

وقال بشر بن أبي خازم، وقارب هذا المعنى ولم يصبه:

أَحقُّ ما رأَيتُ أَم احتلام ... أَم الأهْوالُ إِذْ صَحْبِي نِيام

أَلا ظَعَنت لنِيَّتها إِدامُ ... وكُلُّ وصالِ غَانِيَةٍ رِمامُ

جدَّدت بحبِّها وهَزَلْتَ حتَّى ... كبِرتَ وقيل إِنَّك مستهام

وقد تَغنى بنا حينًا ونَغْنى ... بها، والدَّهر ليس له دوام

وإنما سقنا كلام بشر هذا الندل على أن الذي ذهبه معود الحكماء نموذج وليس نسيج وحده. وقد دلنا ابن سلام الجمحي على ضياع أكثر الشعر القديم، فما وجدناه منه كالمفرد، فلا يحسنن بنا أن ندعي له حاقَّ الأصالة الشكلية، وإن وجدنا له شبيها

<<  <  ج: ص:  >  >>