للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو على مباعدة فذلك نص في أن لا ندعي له ذلك.

هذا، وقد يخلو كلام الشاعر من جميع ما قدمناه، فلا يبقى له إلا ظاهر النموذج الشكلي السنخ، وحينئذ نتلمس، فإن أصبنا للكلام ماء، وحرارة من فصاحة، حكمنا للشاعر أنه أذاب طرفا من تجربته فيما احتذاه ولم يبلغ به حظه من الملكة أكثر من ذلك، أو كان غرضه، مما يستلزم نحو هذا الصنيع. مثال هذا قول بشر بن أبي خازم في الكلمة التي قدمنا منها وهو بعد الأبيات التي مرت من مفضليته:

لياليَ تَستَبيكَ بذي غُروب ... يُسَنُّ على مَرَاغِمه القسام

تَعرُّضَ جَأْيةِ المدْري خَذُول ... بصاحةَ في أَسِرَّتها السِّلام

وصاحبُها غَضيضُ الطَّرْفِ أَحْوَى ... يَضُوع فؤادَها منْهُ بُغامُ

ونحو هذا عند الجاهليين كثير. وقلما ينحطون فيه إلى حضيض الكلام المغسول.

وقد قدمنا لك أن مع البداوة الصدق. ثم أضف إلى ذلك قوة الثقة من تلك اللغة، وهذا لاحق بما ذكرناه من معنى التجويد والإتقان لمحض الفن.

ومما يجري مجرى الحنين ولا يبلغ ما بلغه معاوية معود الحكماء من التحليق والتجرد قول المرقش الأكبر (١).

سرى لَيْلًا خيالٌ من سُلَيْمَى ... فَأَرَّقني وأَصحابي هُجود

فبتُّ أُدير أَمري كُلَّ حَالٍ ... وأَرْقُب أَهْلَها وَهُم بَعيدُ

وهذا من زعم مراقبة الأهل وهم بعيد شاهد في الذي نحن بصدده:

على أَن قد سَما طَرْفي لنارٍ ... يُشَبُّ لها بذَي الأرطَي وَقُود

حوالَيها مهًا جُمُّ التَّراقِي ... وآرامٌ وغزلان رُقُود


(١) مفضليته: ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>