للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يسمونه مادية الغزل، ولكن ليحمش نفسه بروح الغيرة والفحولة كما يفعل أهل الحروب - أو كما قالت هند في أحد:

إِن تُقْبِلوا نُعانِقْ ... ونَفْرش النَّمارق

أَو تُدبروا نُفارقْ ... فراق غَيْر وامقْ

وقد حمي وحمش، فاختصر الخروج كما اختصر الغزل، ثم اختصر الفخر بقومه ثم أقبل على التحدي، والخصومة والمصارحة بما عند نفسه ثم افتخر وقص قصة نضاله وانتصاره الذي كان أو الذي توهمه قد كان أو سيكون، ثم صاح صيحة الظفر على جثة ثأر:

هلْ سُويْد غَيْرُ لَيْثٍ خادِرٍ ... ثَئِدَتْ أَرْضٌ عَليْهِ فَانْتَجع

ولكنها هنا صيحة تمازجها مرارة، إذ سويد الغالب، سويد الصخرة التي تعضب قرن الناطح، سويد ذو اللدد والهجاء القامع، سويد الذي أجبر شيطانه شيطان عدوه على الفرار، سويد الغالب هذا كله، هو الذي اضطر إلى الهجرة لا عدوه المغلوب. ولعل هذا يكشف لك سر الكناية المستكنة في مقدمته الطويلة، ورابعته التي بسطت الجبل، ومنته بعد أن دعته برقاها وتيمته، ثم بانت بعد ذلك كل بين.

ولقد وهم ليال في تعليقه على المفضليات (١) فقال ما معناه إن قصيدة سويد هذه إنما هي قصيدتان بلا ريب، بحرهما واحد وقافيتها واحدة، ومبدأ الثانية من البيت الخامس والأربعين. وهذا وهم في الذي ذكرناه ما يدفعه. وإنما أُتِي ليال من جهة التصريع، واستئناف النسيب بعد ما كان من خروج وأغراض. والنسيب والخروج والأغراض كل ذلك مما يختلط - إذ الجوهر عند الشاعر هو كل القصيدة، ومبدؤها


(١) المجلد الثاني من تحقيق ليال للمفضليات (الترجمة الإنجليزية) ص ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>