للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا تفسير لقوله «على آثار من ذهب العفاء»، إذ قد مضت هي مغاضبة واستمر مريرها على ذلك. فلم يبق إلا أن تعفو الدار وتنمحي الآثار.

هذا،

أما قول النابغة «بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما» ففيه ما زعمنا من مباعدة ما عن النموذج، تلقى على ظلال التجربة شعاعًا من وضوح.

أولها الإيماء بأن هذا الذي علقه من سعاد وهي إحدى بليٍّ إنما كان سفاهًا وضلة، وخبالاً كخبال الأحلام، ومثله ما يحسن أن ينسى ويجذم حبله. على أن سعاد هذه راقته -والراجح كما سيدل على ذلك بعض مقالته من بعد- أنه رآها في موسم الحج بين البائعات، ولم تكن مثلهن في الشقاء وسواد الأعقاب، ولم تكن كشبيهات البرم، اللاء يبعن البرم. ولكن كانت غراء وقد حاورته فالتذ حوارها وقد رنا إلى قدمها فرآه كأحسن ما يكون من قدم. وقد فاكهته إذ نازعها الحديث، فأما أظهرت له رحمة لما رأته يعانيه من نصب السفر وبعد شقته وهذا هو المعنى القريب، وأما عرضت له بما حولها من متعة بلسان الحال إلا بلسان المقال وهذا هو المعنى البعيد ولا يستبعد. وقد هش لها وطرب، وذكر أنه إنما قدم الحج، حج المشركين، الذي كان مما يعن يه لهو النساء وتبرجهن:

اليوم يبدو جله أو كله ... وما بدا منه فلا نحله

وكان هو ممن يتأله أو قد نذر أوس نه وشرفه وسيادته يجعله بتلك المنزلة فلا يحل له لهو النساء «وأن الدين قد عزما». وهنا حين يلتفت إلى الجد والمكرمات وذكر المآثر، ويكاد يخرج كما يخرج الشعراء، بل يفعل ذلك ويمضي فيه شيئًا فيصف حال القافلة من التشمير، ويصف ما ترجوه من فعل البر في الحج ومن شهود المنافع، ثم يفخر بالكرم ونحر الكوماء زمن الشتاء، حين تهب الريح من بلاد التين يزجين الغيم القليل ذا الماء البارد- ولا يخلو هاذا الالتفات إلى أرض الشام من ذكرى لها وتأمل وود

<<  <  ج: ص:  >  >>